فوبيـا المؤامرة ..
منذ نشأة جماعة الأخوان المسلمين مرورا بكل الأنظمة الحاكمة وحتى يومنا هذا بعد أن تمكنوا من الوصول إلى السلطة مازالوا يشعرون بالاضطهاد والمؤامرة من معارضيهم , فذلك الشعور المترسخ لديهم واقع يعيشونه بالفعل إذا نظرنا إلى تاريخهم السياسى وما يحفل بة من دموية وعنف واغتيالات وصدامات مع كل من حكم مصر لتطلعهم المزمن إلى السلطة , وكم تعاطفنا معهم كثيرا عندما رأينا اضطهاد نظام مبارك لهم وكنا نناصرهم عن طريق صندوق الاقتراع , فكم من مرات كثيرة سابقة صوتنا لمرشح الأخوان لمجرد شعورنا باضطهادهم ولتغيبنا حينها بتصديق أن التيار الإسلامي هو الحل , ولم نكن ندرك حينها دواخلهم السياسية والاجتماعية ونظرتهم لأنفسهم من جهة ولبقية المجتمع من جهة أخرى , وبعد ثورة يناير التى أعلنوا حينها أنهم غير مشاركين بها رسميا ثم ركبوها بعد أن استشعروا نجاحها وسال لعابهم بفراغ كرسى السلطة فعقدوا الصفقات والمؤامرات مع نائب مبارك والثوار مازالوا بالميدان ومن بعده المجلس العسكرى حتى استطاعوا أخيرا الوصول إلى السلطة فى أكبر وأثقل بلد عربى وأفريقى , لنرى الوجه الآخر لهم والذى صدم المجتمع بأسرة حين أكتشف الجميع أنهم لا يرون ولا يستمعون ولا يتكلمون ولا يحبون إلا أنفسهم فقط مع تجاهل وعدم اعتراف ضمنى وفى بعض الأوقات صريح ببقية الشعب المصرى ..
لقد شاهدنا قادة الأخوان من المرشد لنائبة لمندوبهم الحالى بقصر الرئاسة يتحدثون عن نظرية المؤامرة وكأنهم يقرأون من نشرة طبعت خصيصا ووزعت فيما بينهم لذلك الغرض محتواها نظرية التعرض الدائم للمؤامرة والخيانة من الآخرين سواء كانوا فى صف المعارضة أو كانوا على قمة السلطة حتى أنعكس الأمر على تابعيهم كالفوبيا المرضية فى نظرتهم لمن يعارضهم على أنهم متآمرين وخونة ..
وشاهدنا خطاب الرئيس مرسى الأخير الذى أعتبر أن كل ما حدث من تجاوزات وصلت لمرحلة القتل العمد ما هو إلا دفاع عن الشرعية التى يتزعمها , كما رأيناه يتهم المسحولين ممن عارضوه بالعمالة والتمويل والمؤامرة وغيرها من الجمل المخيفة والتى يبدوا أنة استقصاها من فصيله فقط , فذلك الفصيل لم يستطع تحمل مجرد الاعتراض على رئيسهم فحشدوا الرفاق عبر دعوة لمتحدثهم الرسمى للنزول دفاعا عن رئيسهم لنشاهد ما شاهدناه من ضرب وسحل وتعذيب وقتل لمعارضى الرئيس الكفار من وجهة نظر جهلائهم وما أكثرهم , مع محاولات حثيثة لانتزاع اعترافات إجبارية لأسرى المعارضة بالتمويل والعمالة والمؤامرة مع تهديد بالقتل إن لم يقروا بذلك , وفى اليوم التالى يفرج عنهم جميعا بدون ضمانات لاقتناع النيابة ببراءتهم فى ظل وجود نائب عام عينة الأخوان , فحتى تلفيق التهم لم يكن بحنكة النظام السابق بل كان عشوائيا ومفضوح بشكل مهين أشعرنا بالحسرة على ثورة شعبية توهمنا نجاحها واعتقدنا أنها ستلج بنا إلى عصر من الحرية والديمقراطية ..
لقد تجاهل الرئيس مرسى السبب الرئيسى والمحرك الفعلى للأحداث وهو يشاهد فصيلة يفض اعتصاما سلميا بالقوة ويسحل معارضيه عند قصر الاتحادية بدعوى الدفاع عن شرعية الرئيس التى اهتزت كثيرا بإصابة سائقة الخاص وقويت وتمكنت حينما سال دماء المصريين المعارضين وقد ثبت بالفعل عمالتهم وتمويلهم الخارجى بدليل تلبسهم بحيازة علب من الجبن النستو والفول داخل الخيام ..
ومن الغريب أيضا أن تجد الشرطة تكتفى بدور المتفرج فى ظل اعتداءات دموية حتى القتل العمد دون أى تدخل لإنقاذهم ويتنازلون طواعية عن دور البطولة فى حفظ الأمن للإخوان ويكتفون بالدور الثانى أو السنيد ..
وكيف لرئيس يفترض أنة لكل الشعب أن يبارك دعوة للاقتتال ما بين مؤيديه ومعارضيه بدعوى ردع فلول النظام السابق وكأن مصر لم تنجب إلا جماعة الأخوان المسلمين ورجال النظام السابق فقط , وماذا يعنى أن يغض رئيس الدولة البصر عن قيام مجموعة مسلحة بالدفاع عن قصره ويمنحها كل الحقوق فى ردع معارضيه , وبعد أن توقعنا أن يطالب بالقبض عليهم والتحقيق معهم نفاجأ أنة يردد نفس مزاعمهم , ولم يكترث بدماء شعبة التى سالت حتى أصبح من وجه نظر معظم المصريين مسئول عن هذه الدماء مثلما سأل عنها مبارك ..
وهل يستوعب العقل أنة فى ظل هذه الحالة من الغليان السياسى والمعارضة الصارخة على سياسة الرئيس مرسى أن يقوم بفرض ضرائب جديدة وهو فى أمس الحاجة للتقرب من الشعب حتى يستطيع تمرير الدستور المشوة الذى كتب لفصيلة من خلال تصويت الشعب عليه , فمن يدرك مفردات الممارسة السياسية الابتدائية لا يفرض ضرائب على شعبة وهو مقبل على استفتاء لدستور مشوه ومعيب لا يحظى بأى توافق سياسى أو شعبى ويتمناه الرئيس كما صيغ وفصل على مقاس فصيلة وسيحدد مصيرة الشعب الذى قهره , وكم كان التراجع عن تلك القرارات أو حتى توقيفها مخزى أيضا ويدل على اهتزاز وتخبط شديدين فى السياسة العامة التى يسير عليها مرسى , حتى أصبح الشعب يتندر بكل قرار يصدره بقولهم " عندما يستشير سيعدل عن قراره " حتى أصبحنا نرى ولأول مرة فى تاريخ مصر الحديث رئيسا مصريا يتخذ القرار ثم يبحث عن مدى قانونيته بعد أصدارة ..
إن المصريين اليوم يضربون كفا بكف لدقة تشابه ما تردده الجماعة وما كان يردده نظام مبارك ضد معارضيه وتشويههم ومحاربتهم بكل السبل وقد كان الإخوان حينها فى صف المعارضة وكم عانوا كثيرا من استبداد النظام السابق وتنكيله بهم واليوم نراهم يسيرون على نفس النهج ولكن بشكل أكثر شراسة ..
لابد للإخوان أن يدركوا جيدا العمل السياسى السرى من خلال خلايا يختلف تماما عن أسلوب إدارة دولة بحجم مصر وعليهم أن يعلموا أنهم جزء من نسيج المجتمع المصرى وليسوا غالبيته وإن لم يحاولوا الانصهار داخل المجتمع وتغيير الانطباع المأخوذ عنهم لما فيه صالح المجتمع وترابط الوطن فسينبذهم المجتمع بكل قوة كما نبذ سابقيهم وإن طال الأمر ولن يجدى حينها تبنيهم المطلق لنظرية المؤامرة والتخوين التى يلوكونها دائما مع كل أزمة يمرون بها ويستقطبون من خلالها الكثيرين من البسطاء وأنصاف المثقفين , فكما هو معروف أن غضب المجتمع أكبر من إرادة أى فصيل أو تيار ويطيح بكل ما يواجهه رغم جبروته واستبداده ..
بقلم : محمـد سـاجـد عـويضـة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق